افتتاح الدورة 25 لأيام قرطاج المسرحية.. مسرح المقاومة الإنسانية
تحت سماء العاصمة تونس، افتُتحت مساء يوم السبت 23 نوفمبر 2024 الدورة الخامسة والعشرون لأيام قرطاج المسرحية، في حدث ضخم أقيم على خشبة المسرح البلدي بالعاصمة بحضور وزيرة الشؤون الثقافية أمينة الصرارفي، وعدد من رؤساء البعثات الدبلوماسية المعتمدين في تونس، إلى جانب عدد من الشخصيات الثقافية والفنية والإعلامية التونسية والعربية والإفريقية والدولية.
أضفى هذا الافتتاح للتظاهرة التي تُعد من أعرق وأهم المهرجانات المسرحية في المنطقة، أجواءً من الاحتفاء بالفن الرابع وبقدرة المسرح على مقاومة القمع والدعوة إلى العدالة الإنسانية.
مقاومة الظلم والاضطهاد
في الكلمة الافتتاحية التي ألقاها اقتبس مدير الدورة، محمد منير العرقي، بكلمات الكاتب الألماني برتولد براشت "في أوقات الظلم يصبح كل فعل بسيط مقاومة" ليؤكد على الدور المحوري للمسرح في مقاومة الظلم والاضطهاد.
وبيّن العرقي أن الدورة الخامسة والعشرون من أيام قرطاج المسرحية تأتي في وقت عالمي يشهد العديد من التحديات الإنسانية، حيث يُعاني الفلسطينيون واللبنانيون من أشكال القمع والتسلط، مشيرًا إلى أن المهرجان يرفع شعار دعم القضية الفلسطينية ويساند كافة القضايا العادلة في العالم.
كما أكد العرقي أن المهرجان في هذه الدورة يخصص ندوته الدولية تحت عنوان "المسرح والإبادة والمقاومة: نحو أفق إنساني جديد"، وهي دعوة للجميع للتأمل في دور المسرح في نشر قيم الحياة والمقاومة ضد الإبادة.
الحياة في زمن السلام
صعد الفنان الفلسطيني شادي زقطان إلى خشبة المسرح وهو يحتضن ''غيتاره''، ليغني بأغانيه عن الإنسان، والحرية، والعدالة التي تشمل العالم بأسره.
وتم تكريم فرقة "عيون الكلام" الموسيقية، بقيادة الفنان خميس البحري، تقديرًا لإلتزامهم الفني ورسالتهم.
كما قدّمت فرقة "بابا روني" عرضًا فنيًا مميزًا بعنوان "أطفال من العالم"، حيث عكست من خلاله مشاهد الحياة في زمن السلام، ثم عبور الحرب التي غيّرت ملامح تلك اللحظات الطيبة، ليتوج العرض بنهاية تبث الأمل بالفرح والسلام والمحبة.
حفل الافتتاح، الذي أخرجه الفنان المسرحي غازي الزغباني، كان بمثابة رحلة بصرية مليئة بالعناصر السينوغرافية التي تجسد الطاقة والإيجابية.
كما أن الألوان التي تزينت بها ديكورات الحفل كانت تعبيرًا عن الفرح والحياة والعاطفة المتجددة.
كما مثلت المعلقة الرسمية لهذه الدورة، المليئة بالأفكار والإبداع، والتي تحمل في طياتها رمزية أمل من خلال اللون الأخضر الذي يرمز للطبيعة والنمو، والزهور التي تزينها حيث تمثل الجمال والخصوبة، وهو رمز فني عالمي يشير إلى الإبداع، بينما كان الطائر الرفرف رمزًا للحرية والسمو الفني.
من العروض المحلية إلى التجارب العالمية
تستمر أيام قرطاج المسرحية من 23 إلى 30 نوفمبر 2024، مُقدّمةً للجمهور فرصة للغوص في عوالم المسرح من خلال عروض متنوعة تتوزع بين المسابقة الرسمية والعروض خارج المسابقة.
حيث يتضمن البرنامج، مشاركة 12 عرضًا في المسابقة الرسمية، منها عرضان تونسيان، و10 عروض دولية من مختلف البلدان العربية والأفريقية والعالمية، كما تقدم 23 عرضًا تونسيًا خارج المسابقة.
أما العروض الدولية من بينها عرض الافتتاح الذي اقيم في مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة، بعودة النجم" (Star Returning) للمخرج والمصمم الساموي ليمي بونيفاسيو، والذي تم عرضه لأول مرة في الصين في 8 نوفمبر 2024، ليحط رحاله في أولى عروضها الدولية بتونس من خلال ايام قرطاج المسرحية.
ويعكس العرض مواضيع عميقة تتعلق بالوجود والتراث والروحانية من خلال التعاون مع شعب "يي" في منطقة داليانغشان الصينية، ويقدم دمجًا فنيًا بين الأداء المعاصر والحكمة القديمة.
وأضافت الدورة هذا العام أقسامًا جديدة تهتم بمسرح المودعين بالسجون ومؤسسات الإصلاح، فضلاً عن مسرح الإدماج العلاجي ومسرح الأشخاص ذوي الإعاقة، كما تم تخصيص جزء من البرنامج للأطفال واليافعين عبر مسرح خاص بهم ومسرح مدارس دور الثقافة والشباب.
تكريمات حية ولحظات وفاء
وتم تكريم عدد من الشخصيات المسرحية البارزة، مثل دريد لحام (سوريا)، ومن تونس لمين النهدي ، عيسى حراث، بشير القهواجي، وآمال بكوش، وجيهة الجندوبي، مقداد الصالحي، ويحيى الفايدي.
كما خصص المهرجان لحظات وفاء لعدد من المبدعين الذين غادرونا، حيث تم تكريم عدد من الفنانين الراحلين عبد المجيد جمعة، مراد كروت، السعدي الزيداني، عبد الحق خمير، عبد العزيز بالقايد حسين، محجوبة بن سعد، ومحمد مورالي، ياسر الجرادي، الذين تركوا بصمة خالدة في تاريخ المسرح التونسي والعربي.
مع انطلاق هذه الدورة 25 والتي تتواصل الى غاية يوم 30 نوفمبر 2024، تبقى أيام قرطاج المسرحية حاضرة كأحد أعرق المهرجانات التي تساهم في نشر الفن المسرحي من خلال إشعاعه في تونس والعالم العربي والأفريقي، مما يجعله منبرًا للمقاومة، الإبداع، والجمال.
صلاح الدين كريمي